ميزات الذكاء عند الإنسان:
أولاً: التصور ومفارقةالراهن الزماني : على نقيض الغريزة الحيوانية , فإن الذكاء عند الإنسان وحده يمكّنه من السيطرة على الزمن , وحده الإنسان قادر على استذكار الماضي الذي ولّى وعلى تمثّل المستقبل الذي لم يأتِ بعد. أيْ على تصوّر الذكريات والمشاريع , فهو كما وصفه هيدجر: مخلوق المساحات البعيدة l’homme est l’être des lointains”"
ثانياً: التفكير: يمتلك الإنسان خاصية لا مثيل لها عند الحيوان هي قدرته على التفكير والتركيزعلى المسائل الصعبة.
ثالثاً: الوظيفة اللغوية: الإنسان وحده من بين المخلوقات يتكلم , وحده ابتدع نظام من الرموز والإشارات الإصطلاحية لتأمين أوسع تواصل بشري , وتوسيع المعارف بعيداً جداً عن الواقع المحسوس .
رابعاً: تصور المفاهيم وإدراك معكوسية العلاقات ما يسمح للإنسان على فهم العلاقة بين العناصر الفعلية لموقف معين , أو بين المفاهيم المحرّرة لفكرة متخيلة , ويسمح للإنسان أن يقيم علاقة مفتوحة مع العالم من حوله .بينما يبقى الحيوان أسير سجن غريزته .
تطور الذكاء وتنميته:
ليس الذكاء ملكة مستقلة , بل هو حصيلة تفاعل عناصر كثيرة : نوع التربية , وطرائق التعليم , وأساليب التنشئة , والأوضاع الشخصية والإجتماعية للفرد , ونوع ثقافة المجتمع الضاغطة , والحالة الصحية والجسدية والنفسية , وقوة الذاكرة التي تختلف من فردٍ إلى آخر , والمعطيات العضوية (الدفاعية وغيرها) المختلفة من فردٍ إلى آخر ...
النتائج المدرسية ليست بالدليل القاطع على مستوى ذكاء الطالب , وينبغي البحث في حال التأخر المدرسي عن عوامل عديدة أخرى : كجو العائلة , وطريقة التعليم ومضمونه , وحال المعلمين , والوضع الخاص الشخصي للطالب .
تنميته : نظراً للآثار الإيجابية التي يقدمها الذكاء للبشرية والتي دفعتها للإرتقاء في سلم التقدم والمضي قدماً في سلّم الحضارة ، يعمل علماء النفس والتربية في البحث عن إمكانات تنمية الذكاء وتطويره .
هناك عدة عوامل تساعد على نمو الذكاء : العائلة ، الوسط الإجتماعي – العامل الفيزيولوجي , والعامل النفسي .
أ- دور العائلة: عندما تكون العلاقات سليمة بين الأب والأم من جهة وبين الوالدين والأولاد من جهة أخرى . وسوء العلاقات تخلق عقداً نفسية تؤخر نمو الذكاء .
كما أن للعائلة دوراً في تأمين الوسائل التربوية والألعاب المساعدة على تنمية ذكائه ...
ب- دور المدرسة : إن التعليم يأخذ دوراً أساسياً في إنماء الذكاء : بالمساعدة , التوجيه الصحيح , والتنشئة الواعية , وخلق أجواء ملائمة لتسهيل التكيّف . كذلك تلعب طرائق التعليم دوراً مهماً في اكتشاف قدرات الطفل وميوله وإمكاناته , ما يساعد على تتبعها وتنميتها ...
ت- الوسط الإجتماعي : وذلك من خلال علاقات صداقة وجوار وزمر الألعاب , إضافة إلى مؤثرات الإعلام والإعلان والتلفزيون والإنترنت ما يساعد في نمو عواطف الطفل وقدراته الفكرية وتوجيه ذكائه وتنويعه.
إن سياسة الدولة أو فلسفتها تشكل الإطار التربوي العام الذي تنمو فيه قدرات الأفراد:
فتأمين التعليم الإلزامي والمجاني وتوفير الشروط الصحية داخل المدارس , وتجهيز المدارس بالوسائل التعليمية الحديثة إضافة إلى تعهّد الأذكياء وتوجيههم , كل ذلك يعمل على تنمية الذكاء.
ث- العامل الفيزيولوجي : إن الأحوال الفيزيولوجية للطفل لجهة الصحة السليمة أو عدمها والإعاقة الفيزيائية أو عدمها، وسلامة وظائف الغدد الصماء . كل ذلك يلعب دوراً هاماً في نمو الذكاء والشخصية معاً.
ج- العامل النفسي أو الشخصي : إن العامل الفطري المتعلق بطباع الطفل وميولهم وإمكاناتهم الطبيعية , كذلك العوامل المكتسبة التي يحصل عليها الفرد من تجاربه الشخصية وأحداث حياته التي تشكل سيرته الذاتية وتكوّن تاريخه الفردي , كل ذلك يشكّل جزءاً مهماً من تكوين بنيته النفسية وتوازنه العاطفي والفكري في شخصيته وعاملاً مهماً في نمو ذكائه.
الآثار السلبية للذكاء:
رغم الإنجازات العظيمة التي حققها الإنسان عبر الزمان بفضل ذكائه النظري والتطبيقي , فقد نجمت آثار سلبية عديدة تشهد على الوجه الآخر اللاأخلاقي واللاإنساني الذي يمكن أن يتخذه صاحبه...
- صحيح أن الإنسان بفضل ذكائه , طوّر أدواته وابتكر وسائل تقنية هائلة باتت في غاية الأهمية , إلا أنها سبّبت ضرراً كبيراً على صحته وعلى البيئة ,بسبب الإفراط في الإعتماد عليها فقد أصابت الناس بنوع من الخمول البدني والفكري (كالإعتماد المفرط على السيارة والحاسوب...) مع أنها يسّرت للإنسان أعماله ووفرت عليه الوقت والجهد كي ينصرف إلى وظائف فكرية وفلسفية أخرى.
- التقدم الذي حققه ذكاؤه في صناعة الأسلحة نتج عنها آثار تدميرية على البشر والبيئة معاً , كما تجدر الإشارة إلى كافة مظاهر التلوث البيئي التي دفعها الإنسان ضريبة لذكائه الجشع.
- ثم إن ضروب الإحتيال والكذب والشطارة هي أيضاً من دلالات الذكاء.
لكن المشكلة لا تكمن في الذكاء نفسه بل في الدافع وراء إستخدامه . من هنا يلعب التوجيه دور الإرشاد باتجاه أخلاقي وإنساني , حينها يلعب الذكاء دوره فقط بما فيه خير الفرد والمجتمع...
مسألة الأنواع المتعددة للذكاء الإنساني:
حصر الفلاسفة القدماء الذكاء في حقلين:نظري وعملي . والنظري في رأيهم أعلى مستوى من العملي. إلا أن "ثورندايك" أضاف إليهما نوعاً ثالثاً هو الذكاء الإجتماعي.
- العملي : نجده عند الطفل والراشد والحيوان وهو يقوم على التعامل مع عالم الأشياء (المحسوس).
- الإجتماعي : يتطلب مجموعة من المهارات الإجتماعية بما فيها الطلاقة اللفظية وقوة الإقناع والأسلوب في التعامل وكذلك آداب السلوك, يضاف إليها صفات كالمشاركة الوجدانية والفهم الحدسي للآخر.
أما "غاردنر" فقال بوجود سبعة أنواع من الذكاء الذي هو قدرة متعددة الجوانب ومتعددة الأشكال:
- الذكاء اللفظي , الذكاء المنطقي , الفني , المكاني (الطيّار الذي يعرف الأمكنة بسهولة )
- الذكاء الحركي (يختص بكل المهارات اليدوية والرياضية والبهلوانية)
- الذكاء الذي يقيم علاقة مع الذات (كيف أنظر إلى نفسي وكيف أنمي طاقاتي)
- الذكاء العلائقي (الإجتماعي) أي المهارة في إقامة العلاقات مع الآخرين والنجاح في ذلك.
خلاصة: ليس الذكاء ملكة مستقلة , بل هو حصيلة تفاعل عناصركثيرة : نوع التربية , طرائق التعليم , أساليب التنشئة , والأوضاع الشخصية والإجتماعية للفرد , ونوع ثقافة المجتمع الضاغطة , والحالة الصحية الجسدية والنفسية , وقوة الذاكرة التي تختلف من فرد إلى آخر والمعطيات العضوية.
والذكاء ليس معطىً ثابتاً لدى الأفراد , كما أن مستواه أيضا ًليس ثابتاً , ثمة إمكانات واسعة لتنمية الذكاء وتطويره من خلال دور العائلة والمدرسة والوسط الإجتماعي الواسع , كذلك العامل الفيزيولوجي والعامل النفسي والشخصي.
والإنسان لا يستعمل سوى قدر قليل من طاقاته الذكائية وحتى هذا القليل الذي يستعمله فإنه لا يحسن إستعماله بالكامل ! من هنا فإن التعليم يأخذ دوراً أساسياً في إنماء الذكاء : بالمساعدة, والتوجيه الصحيح والتنشئة الواعية وخلق أجواء ملائمة لتسهيل التكيف.