بسم الله الرحمان الرحيم
الصبر هو حبس النفس عما تحب وترك الجزع عندما تكره. وهو تحمل الإنسان لحالة حدثت له تستدعي منه التحمل والهدوء ومعالجة الأمور بتعقل ولو طالت مدة هذه الحالة , مثل تحمل المريض لمرضه وصاحب المصيبة لمصيبته وأيضاً تحمله لترك الذنوب وتحمل حصول الإنسان على النعمة والإستمرار في شكر الله وطاعته وعدم معصيته والصبر من فروع الرضا بقضاء الله وقدره وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد .
قال تعالى : " فاصبر وما صبرك الإ بالله " .
وقال تعالى : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " سورة البقرة (156,157).
وقال تعالى: " وبشر الصابرين ".
• أنواع الصبر:
1 ـ الصبر على الطاعة: صبر على النعمة التي أنعم الله على الإنسان بأن يصير على الشكر لصاحب النعمة وهو الله فيسير في طريق الاستقامة ولا ينحرف بسبب وجود النعمة وكثرتها فيبذر ماله مثلاً أو تفسد أخلاقه.
فيصبر على الطاعة كما يصبر على أن لا يعطي خالقه ويستمر في العبادة والصلاة لوقتها وصوم شهر رمضان وغير ذلك... .
وعن الإمام علي (ع) : " الصبر صبران صبر على ما تكره وصبر على ما تحب " ( البحار ح 71 ) . وعن الإمام علي (ع) قال: " إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أيسر من الصبر على عذابه... ( إرشاد القلوب للديملي ) .
2 ـ الصبر على عدم معصية الله :
فمثلاً يصبر بأن لا يغتاب ولا يكذب ولا يتكبر ولا يرتكب المحرمات.
ـ فعن الإمام الكاظم (ع) : أصبر على طاعة الله واصبر على معاصي الله فإنما الدنيا ساعة " ( تحف العقول) .
3 ـ الصبر على البلاء المصائب والمشاكل :
فكل إنسان يعاني من هذه الأمور فإن أراد الراحة في الدنيا والثواب في الآخرة فعليه أن يصبر ويسلم أمره إلى الله ويتوكل عليه ويرضى بقضاء الله وقدره ويحاول أن يعالج البلاء بتعقل وهدوء.
ـ وعن الإمام الصادق (ع): من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان ذلك مثل أجر ألف شهيد.( الكافي ج 2 ) .
والجنة محفوفة بالمكاره والصبر فمن صبر على المكاره دخل الجنة وجهنم محفوفة بالذات فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار .
• نتائج الصبر:
إن كل واحد منا بحاجة إلى الصبر لكي يستطيع أن يعيش في هذه الدنيا القصيرة المليئة بالمشاكل والمصائب.
فالصبر يؤدي إلى الراحة في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة ويدل صبره على شجاعته في مواجهة البلاء .
عن الإمام علي (ع) : " الصبر شجاعة البحار 69 " .
ـ وما بعد الصبر الإ الفرج فرضى الإنسان بقضاء الله وقدره وصبره على البلاء يؤدي ذلك به إلى الفرج .
ـ صبر الإنسان على طاعة الله وعدم معصيته والإستمرار في شكر النعمة التي أنعم بها عليه يؤدي ذلك إلى زيادة النعمة الإلهية له .
• أفضل الصبر:
أفضل الصبر هو الصبر على ترك الذنوب , ثم الصبر على الطاعة ثم الصبر على البلاء والمصائب .
قيل للإمام الباقر (ع): يرحمك الله ما الصبر الجميل ؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس ( البحار ج 71 ).
الصبر في الدنيا من مصلحة الإنسان, قال الإمام علي (ع): ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه. ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه ولقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم وقلة صبركم عما روي عنكم ؟! كأنها متاعها باقٍ عليكم... ( نهج البلاغة ).
• ثواب الصبر:
قال تعالى: " والله يحب الصابرين " سورة آل عمران آية 146 ) روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره. والبر فضل عليه , فيتنحى الصبر ناحية , فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر : دونكم صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه .
• الصابرون وعلاماتهم:
1 ـ قال تعالى:" بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإن إليه راجعون " سورة البقرة آية 155.
وعن الرسول الأكرم (ص) قال : أولها أن لا يكسل والثانية أن لا يضجر , والثالثة أن لا يشكو من ربه عز وجل , لأنه إذا كسل فقد ضيع الحق , وإذا ضجر لم يؤد الشكر وإذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه ( البحار ج 71 ) .
• شعب الصبر :
عن الرسول الأكرم (ص) قال : الصبر على أربع شعب : الشوق , الشفقة , الزهادة , الترقب , فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات . ومن أشفق عن النار رجع عن المحرمات , ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات .
عن الرسول محمد (ص) قال: الصبر ثلاثة, صبر عند المصيبة, وصبر على الطاعة, والصبر على المصيبة.
فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين نجوم الأرض إلى العرش . ومن صبر عن المصيبة كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين نجوم الأرض إلى منتهى العرش.
وروي بسند معبر عن رسول الله (ص) أنه قال :
إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد وينادي مناد من عند الله يسمه آخرهم كما يسمه أولهم يقول : أين أهل الصبر .
فيقولون: من الناس, فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم: ما كان صبركم هذا الذي صبرتم ؟ فيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة الله, وصبرنا على معصية الله, قال: فينادي منادٍ من عند الله: صدق عبادي خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب.
البلاء :
البلاء هو حكمة ضرورية للحياة .
لولا الحياة لضاقت الدنيا بأهلها وبطل الميراث وابتلى الإنسان بأهله وأمهاته . ولولا المرض لم يتقو جسد الإنسان بالمناعة ولما تأهب لعلم الطب .
ولولا الفقر لما تأهب الإنسان للتجارة وأنواع المعاش , ولما احتاج احد إلى احد فترك الناس بعضهم بعضاً , ولولا الذنوب لما تأهب الإنسان المؤمن للتحصن والتقوي بأنواع الحصانات كالقرآن والأخلاق .
فبالبلاء يتكامل الإنسان حسداً وفكراً وعلماً وخلقاً واجتماعاً وقدرات أخرى من أموال وغيرها والأمثلة كثيرة جداً ... . البلاء بالمعنى الشرعي هو الإمتحان .
فالبلاء بعين الله تعالى هو كل حالة يخبر فيها نوع الإنسان , فالغنى بلاء والصحة بلاء , والفقر بلاء , والمرض بلاء . لأن كل حالة يترتب عليها تكليف .
ـ الغنى والصحة تكليفها الشكر.
ـ الفقر والمرض تكليفها الصبر .
ـ المال تكليفه النفقة , والقوة تكليفها العمل بالطاعات فأصل البلاء بعين الله تعالى هو التكليف لا في الحالة بعينها " وهو الذي جعلكم خلائق الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما أتاكم إن ربك سريع العقاب , وإنه لغفور رحيم " الأنعام 164 .
والبلاء بالمعنى الإمتحاني هو سر خلق البشر والابتلاء هو سنة ضرورية من سنن الله تعالى .
ولا بد من الختم بأهمية الصبر والشكر ويهما تكون درجات الإنسان المؤمن إذا ابتلي صبر وإن أعطي شكر.
والطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسب .
والحمد الله رب العالمين
المـــراجع :
ـ سورة البقرة ( ص 156 ـ 157 ).
ـ البحار (ج 71 )
ـ إرشاد القلوب للديلمي
ـ تحف العقول .
ـ الكافي ج 2.
ـ البحار 69.
ـ البحار ج 71.
ـ نهج البلاغة.
ـ سورة آل عمران ( 166 )
ـ سورة البقرة ( آية 155 )
ـ البحار ج 71